الحق في الغذاء.. معاناة تصل لـ"الموت جوعاً" بعد 13 عاماً على الثورات العربية

الحق في الغذاء.. معاناة تصل لـ"الموت جوعاً" بعد 13 عاماً على الثورات العربية

رغم كونه ليس امتيازا بل حقاً إنسانياً أصيلاً وعنصراً أساسياً للمقاومة الإنسانية، فإن الحق في الغذاء تضرر بصورة كبيرة في عدة دول عربية، لا سيما تلك التي شهدت نزاعات وحروباً أهلية، بعد مرور 13 عاما على اندلاع الثورات العربية في عام 2011.

والحق في الغذاء هو الحق في الحصول بشكل منتظم ودائم وحر، إما بصورة مباشرة أو بواسطة مشتريات نقدية، على غذاء وافٍ وكافٍ من الناحيتين الكمية والنوعية، وذلك بما يتوافق مع التقاليد الثقافية للشعب الذي ينتمي إليه المستهلك ويكفل له حياة بدنية ونفسية، وفردية وجماعية، مُرضية وكريمة وبمنأىً عن الخوف.

وتقول الأمم المتحدة، إنه يجب على الدول الالتزام باتخاذ التدابير اللازمة للتخفيف من أثر الجوع حتى في أوقات الكوارث الطبيعية، والالتزام باحترام السبيل المتوفر للحصول على الغذاء الكافي وضمان عدم قيام شركات بحرمان الأفراد من الحصول على الغذاء.

ويقتضي العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، أن تتخذ الدول أي خطوات ضرورية لضمان أن يتحرر كل إنسان من الجوع ويتمكن في أقرب وقت ممكن من التمتع بالحق في الغذاء الكافي.

وتحظى الدول بهامش تقديري في اختيار طرق ووسائل إعمال الحق في الغذاء، لكن عليها أن تضمن توفر الحد الأساسي الأدنى المطلوب لكي يبقى الناس متحررين من الجوع.

وتستعرض "جسور بوست" ما آل إليه الحق في الغذاء، بعدة دول عربية وهي اليمن وسوريا وتونس ومصر، وذلك بعد أن غلبت الحروب والنزاعات المسلحة على اثنين منها، وسادت التوترات السياسية في الاثنين الآخرين، على مدى 13 عاما عقب اندلاع الثورات العربية.

اليمن 

شهدت حالة الأمن الغذائي في اليمن تحسنا طفيفًا في المحافظات الخاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية خلال النصف الأول من عام 2023، في حين زادت نسبة سوء التغذية الحاد مقارنة بالفترة ذاتها من عام 2022.

ورغم التحسن المحدود والمتواضع، هناك نحو 3.2 مليون شخص تعرض لمستويات عالية من انعدام الأمن الغذائي الحاد، في الفترة الممتدة بين يناير ومايو 2023.

ولا يزال اليمن أحد البلدان الأشد تعرضًا لانعدام الأمن الغذائي في العالم، ويرجع السبب في ذلك بصورة رئيسية إلى أثر الصراع العسكري والتدهور الاقتصادي الممتد خلال 13 عاما.

ويتربص الجوع بملايين الأشخاص في اليمن، وتحذر الوكالات الأممية والدولية من أن الوضع قد يزداد سوءًا ما لم يتم اتخاذ إجراءات لمعالجة الأسباب الرئيسية الكامنة وراء انعدام الأمن الغذائي في البلاد.

ووفق تقديرات الأمم المتحدة، تظل الدوافع الرئيسية الكامنة وراء انعدام الأمن الغذائي قائمة، ومن المقدر أن يزداد عدد الأشخاص المحتمل تعرّضهم لمستويات عالية من انعدام الأمن الغذائي الحاد ليبلغ 3.9 مليون شخص. 

ومن المرجح أن يتفاقم الوضع بسبب انخفاض مستويات المساعدات الغذائية الإنسانية بنسبة 20 بالمئة وزيادة متوقعة في أسعار الأغذية، نظرًا لاستمرار تفاقم سوء التغذية الحاد في المحافظات الجنوبية.

وخلال عام 2023، تعرض نصف مليون طفل لسوء التغذية الحاد، كما أصيب نحو ربع مليون امرأة حامل ومرضعة بسوء التغذية الحاد، إلى جانب بلوغ مستويات تقزم الأطفال نسبة 35.9 بالمئة، وفق التقديرات الأممية.

سوريا 

وفي عام 2023، قال برنامج الأغذية العالمي، إن نحو 12.1 مليون شخص في سوريا، أي أكثر من نصف عدد السكان، يعانون من انعدام الأمن الغذائي، ما يجعلها من بين البلدان الستة التي تعاني من أعلى معدلات انعدام الأمن الغذائي في العالم.

وعزا البرنامج العالمي هذا التدهور في الأمن الغذائي إلى أسباب عدة، من بينها اعتماد البلاد الشديد على الواردات الغذائية، بعدما كانت تتمتع باكتفاء ذاتي في إنتاج الغذاء في الحقبة الماضية، فضلا عن آثار الصراع الممتد منذ عام 2011.

وبحسب برنامج الأغذية العالمي، فإن متوسط الأجر الشهري في سوريا يغطي حالياً نحو ربع الاحتياجات الغذائية للأسرة فقط، وتظهر أحدث البيانات أن سوء التغذية آخذ في الارتفاع، مع وصول معدلات التقزم بين الأطفال وسوء التغذية لدى الأمهات إلى مستويات غير مسبوقة.

وقال البرنامج، إن الزلازل الأخيرة سلطت الضوء على الحاجة الماسة إلى زيادة المساعدات الإنسانية في سوريا، ليس فقط للأشخاص المتضررين من الزلازل، ولكن أيضاً للذين يعانون بالفعل من الارتفاع الحاد في أسعار المواد الغذائية، وأزمة الوقود، والصدمات المناخية المتتالية.

ويقول برنامج الأغذية العالمي، إنه يعمل أيضاً على إيجاد حلول طويلة الأجل لمساعدة المجتمعات في سوريا للحد من اعتمادها على المساعدات الغذائية المباشرة من خلال دعم إعادة تأهيل أنظمة الري والمطاحن والمخابز والأسواق في جميع أنحاء البلاد.

ومن بين الخدمات التي يقدمها البرنامج الحصص الغذائية، والبرامج التغذوية، والوجبات المدرسية، والقسائم النقدية، ودعم سبل العيش، وبناء قدرة المجتمعات على الصمود، وشبكات الأمان الاجتماعي.

ووفق تقديرات الأمم المتحدة، من المتوقع أن يستمر المسار التصاعدي لسعر سلة المواد الغذائية الأساسية التي يقيس عليها برنامج الأغذية العالمي نسبة تضخم أسعار الغذاء، وقد تضاعف سعر هذه السلة على ما كان عليه بمقدار 13 ضعف سعرها قبل ثلاث سنوات.

وقد بلغت أسعار الغذاء والوقود أعلى مستوياتها منذ عقد (10 سنوات)، بعد ارتفاع معدل التضخم وانهيار قيمة العملة، وقد أدى تضرر البنية التحتية وارتفاع تكلفة الوقود والظروف الشبيهة بالجفاف إلى هبوط إنتاج القمح في سوريا بنسبة 75 بالمئة. 

وباتت سوريا أكبر سادس دولة من حيث عدد الأشخاص الذين يعانون انعدام الأمن الغذائي في العالم، حيث يعاني 2.5 مليون شخص انعدام الأمن الغذائي الشديد، وتتعرض حياتهم للخطر بدون مساعدات غذائية.

تونس

ورغم هالة الديمقراطية التي غلفت ثورة الياسمين في مهدها، لا تزال تونس تواجه تحديات سياسية واجتماعية واقتصادية كبيرة بسبب المشكلات الهيكلية المستمرة والاقتصاد الذي يعتمد بشكل أساسي على مصادر التمويل الخارجية. 

ويشير مؤشر الجوع العالمي إلى أن مستويات الجوع في تونس تعد منخفضة، لكن الركود الاقتصادي ومعدلات البطالة المرتفعة وتغير المناخ والتفاوتات الإقليمية والاعتماد على واردات الحبوب تتحدى قدرة الأشخاص الأكثر ضعفًا على تأمين نظام غذائي مناسب ومغذي. 

ورغم التقدم الكبير في معالجة سوء التغذية على مدى العقود الماضية، تواجه تونس مشكلات تغذية متداخلة، إذ يقدر فقر الدم أو نقص الحديد بنسبة 30 بالمئة للأطفال دون سن الخامسة و32 بالمئة للنساء الحوامل والمرضعات.  

وتؤثر السمنة على 21 بالمئة من الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين سنتين و10 سنوات، بينما يعاني 13.7 بالمئة من زيادة الوزن، وتتزايد السمنة وزيادة الوزن باستمرار لتصل إلى 50 بالمئة من الأطفال في سن العاشرة.

ويعد البرنامج الوطني للوجبات المدرسية أمرًا محوريًا في الجهود المبذولة لتحسين التغذية ودعم المجتمعات في المناطق الريفية وتعزيز تمكين المرأة، إذ يتم الحصول على ما يصل إلى 30 بالمئة من الطعام الذي يتم تقديمه في مقاصف المدارس من الحدائق المدرسية التي ترعاها المنظمات المجتمعية، والتي تتكون أساسًا من النساء المحليات.

ويعمل برنامج الأغذية العالمي على تحسين القيمة الغذائية للوجبات المدرسية مع تعزيز الاقتصادات المحلية ومشاركة المرأة فيها، كما يدعم البرنامج تعزيز صمود صغار المزارعين وقدرة المؤسسات الحكومية على تحسين الجودة والمرونة والشمولية والاستجابة للصدمات لشبكات الأمان الاجتماعي الوطنية.

مصر 

للمرة الأولى، نص الدستور المصري على أهمية الحق في الغذاء وقيمته، حيث نصت المادة 79 على أن "لكل مواطن الحق في غذاء صحي وكافٍ، وماء نظيف، وتلتزم الدولة بتأمين الموارد الغذائية للمواطنين كافة". 

وتكفل السيادة الغذائية بشكل مستدام، وتضمن الحفاظ على التنوع البيولوجي الزراعي وأصناف النباتات المحلية للحفاظ على حقوق الأجيال، وبموجب هذا النص فإن تأمين الحق في الغذاء الصحي الكافي يشكل التزاما على عاتق الدولة لابد لها من العمل على تحقيقه والحفاظ عليه بشكل كامل ودائم.

وتعد مصر أكبر دولة في شمال إفريقيا والعالم العربي من حيث عدد السكان، حيث يبلغ عدد سكانها المتزايد نحو 105 ملايين نسمة، وتلعب دوراً جغرافياً وسياسياً مؤثراً في المنطقة.

ووفق مؤشر الجوع العالمي لعام 2022، تعاني مصر من مستوى معتدل من الجوع، حيث تحتل المرتبة 57 من أصل 121 دولة، وتظل القدرة على تحمل تكاليف الغذاء ونوعيته وسلامته من أكثر التحديات إلحاحاً حيث تواصل مصر الاعتماد على الأسواق العالمية لتوفير أكثر من نصف سلعها الأساسية.

ويُعد سوء التغذية أحد المخاوف الأخرى المتزايدة على الصحة العامة، حيث سجلت معدلات التقزم 13 بالمئة، و4 بالمئة بين الأطفال دون سن الخامسة يعانون من نقص الوزن.

وتسعى الحكومة من خلال الخطة الاستراتيجية الوطنية للتعليم قبل الجامعي (2014-2030)، إلى تحقيق تغطية كاملة من خلال برنامجها الوطني للتغذية المدرسية لتلبية 50 بالمئة من الاحتياجات الغذائية للطلاب.

ويركز عمل برنامج الأغذية العالمي في مصر على الدعم المؤسساتي للحماية الاجتماعية والأمن الغذائي والتغذوي والابتكار في التنمية، إضافة إلى زيادة قدرة المجتمعات الريفية على التكيف على المدى الطويل مع تغير المناخ.

وتعمل الدولة المصرية على تحقيق الأمن الغذائي للمواطنين رغم تداعيات دولية مثل تعثر سلاسل الإمداد الدولية وارتفاع تكلفة النقل والطاقة عالميا، حيث أطلقت مشروعات قومية كبرى، للحفاظ على المخزون الاستراتيجي من جميع السلع الغذائية الأساسية، بالإضافة إلى توفير آلاف فرص العمل من خلال إنشاء المناطق اللوجستية والتجارية.

 


قد يعجبك ايضا

ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية